القيمة المضافة للإنسان المسلم في مكارم الأخلاق .
إعداد
أ.د.عبد المنعم محمد حسين
جامعة أسيوط – كلية التربية بالوادي الجديد
تمهيد :
قد تستغرب عزيزي القارىء حين تقرأ هذا المقال ووجه الاستغراب يكمن فيما يلي :
- القيمة المضافة مفهوم اقتصادي ابتدعه علماء الاقتصاد أمثال " كارل ماركس وميلتون فريدمان وغيرهما الكثير فما ارتباطه بالإنسان المسلم والإسلام كدين .
- مكارم الأخلاق : مفهوم يكاد يكون غائبا في العصر الذي نعيشه والذي يتسم بطغيان المادية وسيادة مفهوم الفردية وتضخم الأنا عند الفرد على حساب الجماعة .
وقد يزول ذلك الاستغراب بمجرد تدبرك للحديث الشريف المتفق عليه حيث ورد عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قوله الشريف :
- عن مالك انه قد بلغه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعثت لأتمم حسن الأخلاق (فهرس أبو داود – حديث رقم1609 )
- حدثنا معاوية بن هشام عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق " . ( 136- فهرس مصنف ابن أبى شيبة – كتاب الفضائل )
- حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا أبو عامر العقدي قال: حدثنا سليمان بن بلال، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان).
- حدثنا آدم بن أبي أياس قال: حدثنا شعبة، عن عبد الله بن أبي السفر وإسماعيل، عن الشعبي، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه).
من تلك الأحاديث الشريفة المتفق عليها ومن استقراء كثير من ألآيات القرآنية الدالة على معنى الإسلام والإيمان ولعل منها :
{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }(الحجرات14)
يتضح مما سبق الحقائق التالية :
1) جوهر رسالة سيدنا محمد هي إتمام صالح الأخلاق ومكارمها .
2) المسلم الحق هو من سلم المسلمون من لسانه ويده ومن هجر ما نهى الله عنه .
3) الإسلام يحث المسلم على زيادة إيمانه لأن الإيمان ليس شعبة واحدة بل بضع وستون شعبة وقد ورد فيما معناه عن أن أعلاها " لا أله إلا الله " وإن أدناها " إماطة الأذى عن الطريق " وما بينها أخلاق كريمة متعددة يتحلى بها المسلم الذي اكتمل إيمانه كما في الآية الكريمة وتفسر كثير من الآيات القرآنية الأحاديث ذلك المعنى كما يلى :
- قال الله تعالى: {ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} الفتح: 4. {وزنادهم هدى} الكهف: 13. {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} مريم: 76. {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} محمد: 17. {ويزداد الذين آمنوا إيمانا} المدثر: 31. وقوله: {أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا} التوبة: 124. وقوله جل ذكره: {فاخشوهم فزادهم إيمانا} آل عمران: 173. وقوله تعالى: {وما زادهم إلا إيمانا وتسليما} الأحزاب: 22.
- وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي: إن للإيمان فرائض وشرائع وحدودا وسننا، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإن أعش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها، وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص .
أين القيمة المضافة فى الإنسان المسلم ؟
القيمة المضافة Value Added تشير إلى القيمة الإضافية التي خلقت خلال مرحلة معينة من مراحل الإنتاج أو من خلال التسويق ( تعريف الموسوعة الحرة : ويكيبيديا (الانترنت ) وتؤدى تلك القيمة الإضافية لزيادة قيمة منتج معين .
وينطبق ذلك القول على الإنسان المسلم في مراحل حياته حتى يكتمل إيمانه فيصبح بمكارم الأخلاق ذات قيمة عالية حتى أن القرآن الكريم وصف سيدنا إبراهيم أنه بمفرده يعادل أمة كاملة كما قي قول الحق سبحانه وتعالى :
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }(النحل120)
كما أوضح الحق إن المسلم الحق قيمته بالنسبة للمشركين والكافرين عالية ويتضح ذلك من الآيات الكريمة التالية :
- {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ }(الأنفال65)
- {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ }(الأنفال65)
مما سبق تتضح القيمة المضافة للإنسان المسلم المكتمل الإيمان انه قد يعادل الفرد أمة كاملة – كما قد يعادل الفرد المسلم عشرة أفراد من القوم المشركين ؛ وذلك لأن الإسلام كدين يتميز بمنهج الوسطية الذي يجعل المسلم يتخلق بالأخلاق الكريمة التي لا إفراط فيها ولا تفريط في الثوابت الدينية .
ولكن أين نحن ألآن وكم تساوى قيمة المسلم اليوم ؟
لقد دب الضعف في المسلمين – اليوم – بصورة تكاد تكون فاضحة ومذلة بالمقارنة بغيرهم من الأمم الغربية التي أخذت بمنهج الإسلام كأسلوب للتعامل في الحياة الدنيا لا بدافع الإيمان به بل أتضح لها باليقين القاطع انه المنهج المناسب للتقدم في الحياة اتخذته من دافع النفع فقط لا من دافع الدين بينما تناسى المسلم منهجه وترك صالح الأخلاق وتخلق بأخلاق مذمومة فقلت قيمته وتدهورت ولقد أوضح الحق سبحانه وتعالى ذلك في قوله :
- {الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }(الأنفال66)
أي أصبحت قيمة الفرد المسلم من التابعين تساوى أثنين من المشركين بعد أن كان في السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم الواحد فيهم يساوى عشرة .
ولقد أوضح الرسول – صلى الله عليه وسلم – ذلك المعنى حين قال فيما معناه :
ـ حدثنا عمرو بن عون قال: أنبأنا، ح وثنا مسدد قال: ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى،عن عمران بن حصين قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" واللّه أعلم أذكر الثالث أم لا "ثم يظهر قومٌ يشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويخونون ولا يؤتمنون، ويفشو فيهم السِّمن (فهرس أبو داود – حديث رقم 4657)
وفى ضوء ذلك الحديث الشريف تتضح لنا كم تساوى قيمة الإنسان المسلم الذي ابتعد عن دينه وابتعد عن القيمة المضافة له وهى مكارم الأخلاق .
أهمية الحاجة الماسة لإستراتيجية إعادة بناء الإنسان المسلم
لعل الحاجة لإعادة بناء الإنسان المسلم الذي يمتلك بالفطرة الإيمانية قيمة مضافة بما لديه من مكارم الأخلاق تميزه عن غيرة تتضح من العرض الآتي :
القيمة المضافة للسلوك :
يتصف السلوك الإنساني بالأنانية والفردانية والغريزية تلك الصفات التي تدفع الفرد إلي اختيار تحقيق أهدافه الفردية إذا ما تعارضت مع الأهداف الاجتماعية في غياب الرقابة وحني يتمكن الفرد من التغلب علي هذه الصفات يجب عليه اكتساب خبرات اجتماعية قوية قادرة علي توجيه دافعيته للسيطرة علي سلوكه في اتجاه التوقع الاجتماعي والقيم الاجتماعية فيما يعرف بالسيطرة الذاتية والتي تسيطر عليها تلك المجموعة من الخبرات القوية التي تسمي العقيدة .
* وتقدر قيمة الفرد الشخصية بما يضيفه من فائدة وقيم للمجتمع والمتمثل في مكونات المجتمع (أفراد – مكونات مادية) من خلال تفاعل الفرد مع هذا المجتمع والتأثير والتأثر المتبادل بينهم ، ويعتبر الإصلاح والمساعدة والتعاون من أهم مسارات القيم المضافة للمجتمع بعد أن يؤدي الفرد واجباته الاجتماعية الأساسية من خلال المواقف التفاعلية المختلفة .
* كل موقف تفاعلي بين الفرد والبيئة او المجتمع يبني علي منهج اجتماعي أساسه هو الحقوق والواجبات فيما يسمي بالدور الاجتماعي فعلي سبيل المثال الدور الاجتماعي (المعلم) ولنفرض انه معلم لغة أجنبية فكل واجباته الرئيسية من خلال هذا الدور هو نقل خبرة اللغة إلي طالب وبناء علي تحقيق هذا الواجب فله حق المرتب أو الأجر ، فإذا أدي المعلم هذا الواجب علي أكمل وجه افتراضي أو نموذجي فهو بذلك حقق قيمة أساسية له كمعلم لغة أجنبية .
إلا انه بالنظر لمكونات الدور نجد انه لتحقيق هذا الدور يستخدم معدات وأدوات ومكان وزمان لكل منها قيمة فإذا حقق واجباته في وقت اقل بنفس الكفاءة فقد أضاف قيمة وإذا حافظ علي الأدوات وأحسن استخدامها فقد أضاف قيمة وإذا استغل المكان وطوره فقد أضاف قيمة وكذا فإذا تعمد تحفيز دافعية الطالب لدراسة اللغة والبحث الذاتي فيها فقد أضاف قيمة وإذا أضاف خبرات في مواد أخري فقد أضاف قيمة وإذا لاحظ إن هناك خبرات سلبية مصاحبة لعملية نقل الخبرة يكتسبها الطالب وعدل تلك الخبرات فقد أضاف قيمة وإذا اهتم بالتربية بجانب التعليم فقد أضاف قيمة وإذا أصلح خطاء معلم أخر أو خبرة أخري مقدمة من معلم آخر فقد أضاف قيمة .
* أيضا هذا الدور في المدرسة فالمعلم واجبه وفقط نقل الخبرة إلي الطلاب من خلال الموقف التعليمي فماذا عن باقي الوقت الذي يقضيه في المدرسة فمساعدة الآخرين قيمة مضافة ومراقبة الطلاب قيمة مضافة والتفكير والإبداع للمواقف التعليمية التالية قيمة مضافة .....الخ .
* وعلي هذا فهناك مجال كبير من القيم المضافة التي يستطيع ان يضيفها هذا المعلم من خلال وقت الفراغ والاستغلال الامثل للوقت ومن خلال ملكات وقدرات خاصة به وغير مطالب بها إلا إنها بحساب إجمالي القيمة التي حققها هذا المعلم في فترة تواجده في المدرسة قد زادت بصورة كبيرة ، وبالتالي يكون افتقاد المكان لهذا النموذج خسارة للمكان وبالتالي يتمسك المكان بهذا النموذج ، وهنا يجد هذا المعلم أهمية فعلية لتوا جدة بالوظيفة والمكان وكذا يجد إن الجميع بالمدرسة يعتمد عليه ويلجا له لتقديم المساعدة والإرشاد وبالتالي تزيد أهميته الشخصية وكذا قيمته الشخصية بالإضافة إلي قيمته كمعلم لغة أجنبية ، وهنا نلاحظ إن قيمته كمعلم لغة أجنبية قيمة عادية يمكن لأي فرد له نفس خبراته أن يشغلها أو يحققها إلا إن القيمة الشخصية الناتجة من قيم الفرد المضافة لا يمكن أن يحققها إلا الفرد نفسه .
هل يمكن لك أن تحسب ما لديك من قيمة مضافة ؟
* يمكن تقسيم القيم المضافة للفرد من خلال تفاعلاته الاجتماعية إلي :
1- قيمة إضافية ذاتية للفرد : وهي للإجابة عن سؤال ماذا أضفت لنفسك من خبرات خلال فترة التفاعل بخلاف المتوقع .
2- قيمة إضافية للغير المشارك في الدور : ماذا أضفت للغير من آثار (خبرات) بخلاف المتوقع الاجتماعي .
3- قيمة إضافية للدور الاجتماعي : ماذا أضفت من آثار (خبرات) لدورك بخلاف المتوقع .
4- قيمة إضافية للمجتمع : ماذا أضفت للمجتمع من آثار (خبرات) بخلاف المتوقع .
5- قيمة إضافية للبيئة والمكونات المادية : ماذا أضفت لمكونات البيئة المادية من آثار ايجابية بخلاف المتوقع .
* ومن هذا التقسيم نلاحظ إن القيم المضافة دائما غير متوقعة اجتماعيا وبشرط إيجابيتها وهذا يدل علي إعمال الفرد لعقله وابداعة وابتكاره لتلك القيم أو تمكنه من نفسه وسيطرته عليها وتوجيهها إلي تلك القيم (الغير مبتكرة) ، ومن هذا التقسيم أيضا يمكن استنتاج إن إتباع مفهوم القيم المضافة للدور سيؤدي بلا شك إلي تطوير ألذات والخبرات .
مستقبل أفضل للإنسان المسلم
من منطلق التفاؤل الذي يجب أن يكون منهج المسلم في حياته حيث أن المسلم لا يعرف التشاؤم أو الطَّيرة كما أخبرنا بذلك الرسول – صلى الله عليه وسلم – من ذلك المنطلق ندعو الله مخلصين أن يرد المسلمين ردا جميلا لمنهج دينهم القويم وأن يستعيد المسلم قيمته المضافة بالتخلق بمكارم الأخلاق حتى يحقق لنفسه ولآمته التقدم والازدهار ويكون قادرا بعون الله وتوفيقه على رد كيد أعدائه الذين يريدون له الضعف والتخلف حقدا منهم وحسدا من قوه المسلم الحق المكتمل الإيمان .